العسبية (والتي تعرف محلياً بالكاية) هي سفينة بضائع تقليدية تُبنى فقط في مدينة هيت على الضفة الغربية لنهر الفرات في مدينة الأنبار. يوجد القليل عنها في الوثائق والأراشيف الصورية والكتابية في القرن التاسع عشر والعشرين، ويُعتقد انها وُجدت بشكل مشابه منذ آلاف السنين.
تُصنَع العسبية من ضفائر مصنوعة من أغصان الأشجار وتُطلى بالقير، من دون استخدام أي نوع من انواع المعادن او الالواح الخشبية و هي تقنية بناء مُتبعة منذ العصور الحجرية. هذا يعني ان العسبية ربما قد بُنيت بطريقة مشابهة منذ مدة قد تصل الى ٥٠٠٠ سنة أو أكثر، برغم اننا لم نجد اثر مادي لها، و ذلك بسبب صناعتها من مواد عضوية.
وجِدت في مدينة أور نماذج طينية لقوارب ذات قاع مسطح بجوانب رأسية (تعود ل٢٥٠٠ قبل الميلاد)، و تشبه هذه النماذج قارب العسيبة و خاصة في تفصيلة الشفة البارزة من الحافة السفلية للقارب (التي تُسمى محلياَ بالليفه) والتي تُعتبر خصلة فريدة للعسيبة، و كذلك تتواجد في بعض من النماذج الطينية التي وجِدت في مدينة أور.
تشير الأدلة الأثرية على ان القوارب التي حملت الحجارة والجير و القار الذي استُخدم لبناء مدينة اور الاثرية (٣٨٠٠- ٥٠٠ قبل الميلاد)، ومدن تاريخية اخرى في جنوب العراق، قد نُقلت بواسطة العسبية او قوارب مشابهة. استمرت هذه الطريقة حتى القرن العشرين، حيث كانت تشق العسبية رحلتها ذات المسار الواحد، مندفعة بتيار النهر. ثم يتم تفكيك القارب عند وصوله لوجهته، و بيع مواده الأولية ليتم استخدامها كوقود.
توقف انتاج العسيبة كُلياً في أواخر خمسينات القرن المنصرم عندما استُبدلت كناقلة حمولة بوسائل نقل الحمولات البرية
قمنا بإعادة بناء العسبية خلال فترة ربيع- صيف عام ٢٠١٩. و اعتمدنا على معلومات قمنا بجمعها بمقابلات مع عدد قليل من الرجال المسنين في عقودهم الثامنة والتاسعة من العمر، والذين عملوا في ما مضى في هذه المهنة او كانوا مطلعين على كيفية صناعة العسبية في منتصف القرن العشرين، و بذلك فكانت لديهم الذاكرة الحية الأخيرة لطرق و تقنيات بناءها التقليدية. أحد هؤلاء الرجال كان “حجي حمدي نعمان” (والذي قام فعلياً مع والده ببناء اخر قوارب العسبية الموجودة). قام حجي حمدي بمرافقتنا اثناء اقامتنا ورشة اعادة صناعة العسبية وأمدنا بتفاصيل وتعليمات كل مرحلة من مراحل صناعتها.
للعسبية تقنية صنع ترتبط مع الموقع الجغرافي لأصولها، فتستخدم الموارد المحلية للموقع، كما هو الحال مع الكثير من القوارب التقليدية.
و العسيبة هي صندوق عمودي مصنوع بهيكل من الاغصان و العيدان، بما في ذلك سعف النخيل (العسب) و الذي يعود له اصل تسمية القارب، و خشب التوت و خشب الغرب. و ترتبط هذه الأجزاء مع بعض باستخدام حبال سعف النخيل و تُحاط بلفائف سميكة من اعشاب الحلف قبل ان يتم طليها بطبقات متعددة من القير
تُعتَبر مدينة هيت مصدراً معروفاً لأنواع مختلفة من القير و التي يتم جمعها بطرق مختلفة: بعضها يرشح من الأرض، او يُجمع من ينابيع المياه الكبريتية، او ينبع من طبقات أرضية بعمق ٣ أمتار، او يُجمع من الأرض مباشرة حيث يتواجد مبعثراً على شكل قطرات (ترسبات على شكل دموع). يعتبر القار من العناصر المهمة في الحضارة الرافدينية مذ العصور المبكرة، حيث كان يستخدم لطلاء القوارب وجعلها مقاومة للمياه وفي البناء وفي تسقيف الأبنية، كما يستخدم كما يستخدم الاسمنت في ايامنا هذه (حيث يلاحظ وجود القير بين طبقات زقورات وادي الرافدين).
هناك ثلاث انواع تستخدم في صناعة العسبية: القير السيالي (السائل)، وقير القساط (الرخو) والقير الحجري (الصلب).
من ضمن المعلومات غير الموثقة التي قام فريقنا بإكتشافها خلال فترة عملنا في مدينة هيت، هو وجود نسخة مصغرة للعسبية تُسمى (الدليل). يُبنى هذا القارب بالتقنية ذاتها المتبعة في بناء العسبية، وكما في العسبية أيضاً فإنها تُسيّر بإستخدام المجاذيف والأعمدة الخشبية. كان الدليل عادةً يُرافق العسبية كمرشد خلال الرحلة، حيث يسير الدليل أمام العسبية في نهر الفرات لقياس عمق النهر على طول الطريق للتأكد من إن سفينة الشحن الضخمة (العسبية) لن تضرب قاع النهر